عن كتاب شمس المعارف الكبرى ولطائف العوارف، لأحمد بن علي البوني المتوفى سنة 622هـ.

من الكتب التي أعيد أنتاجها عن طريق الحديث عنها بقوالب مختلفة، فمنهم من جعله كأفلام الرعب، ومنهم من روى حكايات في مفعولات سحره، بصورة السحر (الساذجة) ونحو هذا، والواقع أن هذا أجنبي عن الكتاب نفسه، فالكتاب لمؤلّف متصوف، ردد فيه ما حوته كثير من كتابات المتصوفة. فالكتاب دار في فلك ما تعرض له الفخر الرازي في كتابه (سر المكتوم في أسرار النجوم) وما ردده في (المطالب العالية) ومن قبل الرازي ابن سينا، في عدد من رسائله كما في (روائع البدائع= وهي مجموعة رسائل له). وهو تصور تابع لليونان القديمة في اعتقاد أن الكواكب كائنات حية، وأنها تحب وتكره، ويمكن مخاطبتها، وأنها تؤثر في الوقائع الأرضية. وعن طريق هذا الاعتقاد كانت تكتب ما يسمى بالعزائم والطلسمات، ذكر الرازي منها قسمًا، ونسب إلى الغزالي رسالة فيها، وأثبت انشغاله بهذا ابن حجر الهيتمي، تخاطب النجوم، أو تدعو الإله للتأثير عن طريقها، وقد حوى الكتاب قسمًا منها. كما في الكتاب تأثر بأفلوطين، وذلك بواسطة الإسماعيلية، وقد ساهم ابن سينا بنشر العديد من مقالاتهم كما في الإشارات والتنبيهات الذي اتعتنى به الرازي وغيره، ومن ثم انشغل متصوفون بحكاية النفس الكلية، والعقل الذي يفيض على غيره من المعارف والعلوم، وهذا نجده حاضرًا في كتاب شمس المعارف. والكتاب فيه نقولات صوفية، وقصص لصالحين مفترضين، وحكايات عن كرامات، ونحو هذا. على أي حال، الكتاب يظهر لنا ما انتشر بين الصوفية فترة من الزمن، وقد طبع مرارًا الكتاب، وجاء في تقديم طباعته اهتمام أهل الناس به، وكان ممن صحح طباعته عبد الرحمن الجزيري، وهو ممن درس في الأزهر وألف كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة). فهذا يظهر أن الكتاب لم يكن مستهجنًا بين القطاعات الشعبية، وكانت النخب المعرفية تنشره، وهذا يرينا الحالة المعرفية والثقافية التي كان يتحرك الكتاب خلالها، ويدفعنا لنقد الأسس الفكرية التي سمحت بمثل هذا.

*التنبيه طبع على الصفحة الأولى للكتاب.